Wednesday, July 2, 2008

إلى فخامة الرئيس

إلى فخامة الرئيس

بقلم: مايكل كولي

(الكاتب رئيس سابق لرويترز الشرق الأوسط ومتخصص في القيادة الأستراتيجية من جامعتي هارفرد وبرنستون الأمريكيتين. للتعليق: Michael.kouly@post.harvard.edu

عزيزي فخامة الرئيس،

هنيئاً لك أوّلاً على استلامك المهمة الرئاسية في لبنان. لطالما كان مشرّفاً للإنسان أن يتمكّن من خدمة مجتمعه، وخاصةً إذا ما استطاع أن يُسهم في الحد من معاناته وآلامه غير الضرورية والتي يمكن تجنّبها. حملك اليوم، فخامة الرئيس، ثقيل جداً ويتطلّب كلّ أوجه الدعم والمساعدة، لأنّ نجاحك في خضمّ النزاع في لبنان سيُنقذ حتما حياة العديد من الناس، ويدخل الأمل والطمأنينة في قلوب مواطنين كثيرين؛ أما فشلك فيمكن أن يؤدي إلى تفاقم المشكلات على اختلاف أنواعها، ويعيد البلاد إلى موجات جديدة من الحروب.

وانطلاقاً من دوري، كمفكّر في دراسات القيادية الإستراتيجية، فإنني أرغب في مشاركتك بعضاً من أبعاد علم القيادة والدروس التي أمكن استخلاصها من سلسلة الأزمات الأخيرة في لبنان. بعد إذنك، اقترح ما يلي:

التوقعات:

- تقبّل الحقيقة الصعبة بأنّ جلّ ما يمكن إنجازه في المدى القريب والمتوسط، ان لم نقل حتى البعيد، في ما خصّ امراض لبنان الجوهرية والمزمنة، هو حسن إدارتها والتعامل معها، وليس الشفاء التام منها. لبنان، فخامة الرئيس، بلد يحمل منذ نشأته تحديات بنيوية كبيرة في تركيبته وصياغته، وهي صنيعة وتراكمات مئات العقود من التاريخ.

- لذالك، لا تعد نفسك بحلّ مشاكل لبنان جميعها خلال سنوات رئاستك. وعلاوةً على هذا، لا تسمح لحماستك ورغبتك بخدمة بلدك أن يدفعاك إلى التزامات غير واقعية، لأنّها لا يمكن أن تؤدّي بشعبك إلا إلى خيبة أمل جديدة، وإلى فقدان مصداقيتك ومصداقية رئاستك أمامه.

صحيح أنّه من المهمّ جداً أن تزرع الأمل في الناس بمستقبل واعد، إلاّ أن قيادتك تحتّم عليك أن تكون واقعيا في تقديراتك وتفسيرك وعرضك للمشاكل التي يعانيها وطنك؛ القيادة، فخامة الرئيس، تطالبك أن تكون منصفاً في توقّعاتك لدورك، ودور أي رئيس حكم أو سيحكم لبنان، آخذًا بعين الاعتبار هذه الحالة اللبنانية المعقّدة، ومدى استعداد المواطن في لبنان للمساهمة الفعالة في بناء الوطن السليم الموعود.

- أرفض اي افكار لتقيّم عهدك على اساس مقاييس كمثل "الأداء في المئة يوم الأولى" المتّبعة في بعض الدول الغربية. أن محدودية سلطاتك الرسمية وغير الرسمية تجعل من المستحيل ان تعالج منفردا وبزمن قصير علل لبنان البنيوية والعميقة.

- إنّ قيادتك في السنوات الست القادمة في الحكم، وعلى غرار من سبقوك، ستكون بمعظمها قيادة أزمات متلاحقة ومتعدّدة ومترابطة؛ وهذا ليس إلاّ نتيجة حتمية لطبيعة البلد ومنطقة الشرق الأوسط، وللأوضاع السياسية الدولية الراهنة. اعتقد ان عهدك يجب ان يعتبر ناجحا إذا ما استطعت تامين الاستقرار في لبنان والمحافظة عليه، والمساعدة على طرح بعض الحلول الضرورية لمشاكله الجوهرية والبنيوية لا أكثر، كي لا يعود ليغرق الوطن في دوامة العنف والنزاعات المدمرة. الحقيقة هي أنّ فصول التاريخ الحزينة تُنتج نفسها مجدّداً لأن معظم الناس يفشلون في فهم دروس الزمن والتعلّم منها! ساعد شعبك على أن يتعلّم من تاريخه حتى لا يكرره.

المسؤلية:

- ساعد مواطنيك بأن تُفهمهم أنّ إنقاذ بلدهم لم يكن ولن يكون يوماّ حملك أنت وحدك أو مسؤولية يحملها اي شخص واحد على عاتقه منفرداً، بل هو أساساً مسؤوليتهم "هم" وهو مسؤولية مشتركة تجمعهم جميعاً. قل لهم أن يقلعوا عن تراشق اللوم وأن يتوقّفوا عن تحميل بعضهم البعض ذنب ما وصلوا إليه، لأنّ قوانين الحياة تقضي بأنهم يحصدون ما زرعوا. وحاول أن تُشركهم فعلاً وقولاً في تضميد الجراح التي أنزلوها بحق بعضهم البعض. تذكّر أنك اليوم السلطة العليا في لبنان، وأنّ الشعب اللبناني المضطرب والتعب قد علّق عليك آمالاً عريضةً، بصفتك "المنقذ" الذي لا بدّ من أن يُحقّق الحلم في حياة لبنانية آمنة ومزدهرة، بينما سيُكملون "هم" مسيرتهم متمسكين بأنماط تصرفاتهم التي لا تخلو من العيوب والاختلال.

لن يتوانوا، فخامة الرئيس، عن استعمال كلّ ما هو ممكن من خداع وإغراءات وحجج واهية وابتزاز سياسي لدفعك وحدك نحو تحقيق هذه الأهداف، إن لم أقل نحو هذه الفخ. قد يكون في تصرّفهم هذا طبيعة اجتماعية انسانية لا يمكن التهرّب منها، ولكنّه ليس إلا وسيلة تستخدمها المجتمعات عادةً لتخفّف من أعبائها وتنأى بنفسها عن تحمل مسؤولية تصرّفاتها التي أوصلتها إلى ما تجابهه من مشكلات، عدّد ولا حرج... فأنت "الرئيس القائد العماد البطل المخلّص" المرتجّى أن يُنقذ لبنان، وهم يتفرجون وكأنّ ما وصل إليه وطنهم لا ناقة لهم فيه ولا جمل!!!

سيحاولون جميعهم، فخامة الرئيس، أن يتنصّلوا من قبول أي التزامٍ فيه تعديل لقيمهم، أو أن يتبنّوا أي ذهنية جديدة تسعى إلى حل جذري لمشاكلهم المتراكمة والمتزايدة يوما بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة.

القيادة، في مثل هذه الحال، فخامة الرئيس، وأنت المطلّع والمدرك، تتطلب التذكير الدائم لشعب هذا البلد وناسه بأنّ خلاصه في أيديه هو، وأن أي تقدّم أو تطوّر منشود يحتّم على كل مواطن، وعلى كلّ مجموعة دينية كانت أم مدنية تُعنى بالشأن العام، أم اقتصادية أم سياسية، أن تؤدّي دوراً رائداً وناشطاً في خلق الصالح العام. وأراني أجد خلال قراءتي في الصحافة اللبنانية أنّ الناس بدؤوا فعلاً يطلبون منك المعجزات لأنك مرجاتهم الأخيرة، معجزات تطهير وتنظيف عقود من الفوضى اللتي خلقوها؛ أقترح عليك فخامة الرئيس أن تبادر كل منهم بالسؤال المباشر الآتي: ما الذي تنوي أنت أن تعدني بأن تقوم به شخصياً، في أي موقع كنت، لمساعدتي على تحقيق هذا الذي تريده للوطن؟! او ان تذكرهم بجملة جون كندي الشهيرة، وللمفارقة، المأخوذة اصلاً عن اللبناني جبران خليل جبران: لا تسأل وطنك عن ما يمكنه ان يعطيك، اسأل نفسك عن ما يمكن ان تعطيه لوطنك!.

- تفاد أخطاء من سبقك من رؤساء الجمهورية اللبنانية الذين اعتقدوا أنّهم، بامتلاكهم بعض الصلاحيات والسلطة، سيقدرون على تغيير الطبيعة السياسية في لبنان، أثناء تولّيهم الرئاسة. والواقع، فخامة الرئيس، أنّ لبنان هو دولة أُنشئت لتحقيق أهداف طائفية مذهبية، من خلال المحافظة على وجود وحريّة بعض الأقليات الدينية في واحدة من أكثر مناطق العالم تديّناً وتعصّبًا للأديان والمذاهب.

إنّ عدم التوصل إلى فهم هذه الحقيقة، والحقيقة الأخرى التي تقول إنّ موقعك الرئاسي في الأصل هو جزء أساسي من عملية دقيقة جداً ومتوازنة حسابياً في توزيع السلطة بين مختلف هذه المذاهب سيعطّل دورك ويُضيف من المشاكل الجديدة ما لا يجب أن يحتمله المواطن في لبنان.

- تذكّر دائما،ً فخامة الرئيس، أنّه ورغم قسمك على صون الدستور وحمايته والتأكّد من تطبيقه كاملاً، فإنّ حماية القوانين غير المكتوبة، والأعراف والعادات والتقاليد والموروثات لا تقلّ أهميةً في حمايتها لتأمين استقرار المجتمعات عامة، والمجتمع اللبناني خاصةً.

الثبات:

- لقد استلب الدستور اللبناني الجديد من موقع الرئاسة الأولى كثيراً من قوتها التنفيذية. كما إنّ واقع السلطة في لبنان متآكل ومحكوم وخاضع بشكل كبير لقوة السلطات والتيارات المذهبية على اختلافها، ولكن ما زال من الممكن ممارسة قدر كبير من القيادة مع قليل من السلطة المتاحة أو حتى مع عدمها. على الرغم من ذلك، فهناك الكثير من أشكال السلطة التي يمكنك أن تعتمدها بوصفها أدوات قيادية. وأوج السلطة الأكيدة التي تملكها الآن، أنّ عهدك ينطلق بتأييد محلي وإقليمي ودولي واسع. دافع عن هذا الرأسمال السياسي جيداً، وثابر على تنميته وإغنائه لأنه سوف يزيد في سلطتك الرسمية ويوسّع نطاق تحرّكك وفعاليتك. والأهم من ذلك كلّه، أن تستعمل حسن سمعتك الشخصية وأن تعطيَ لنفسك قوة إضافية في أن تكون سلطةً ورمزاً أخلاقياً ومدنياً ووطنياً يمثّل القيم والمبادئ والأخلاقيات التي يطمح إليها كل لبناني (يمكن ان نناقش هذه الناحية بتفصيل اكبر واعمق في المستقبل).

- ميّز بين المشاكل التقنية وحلولها الفنية من ناحية، وبين المشاكل الجوهرية وحلولها الجذرية من ناحية أخرى. من الشائع جداً أنّ معظم المشاكل التي نواجهها تخضع لفهم وتحليل غير صائبين أو دقيقين، وغالباً ما نسعى إلى اعتماد حلول فنية لمشاكل جوهرية تتطلّب تغييراً وتعديلاً عميقاً في القيم العامة، ومبادئ التصرف العام وأساليبه، والذهنيات المختلفة والانتماءات والولاآت على اختلافها. إنّ مأزق لبنان كان ولا يزال على حاله منذ نشأة هذا الوطن لأنّ معظم الاتفاقات والمعاهدات الداخلية التي أُبرمت، وضمناً الوثيقة الأخيرة في الدوحة، كانت معالجات تقنية قصيرة المدى فشلت في التطرّق إلى معالجة جوهر إشكالية النظام في لبنان.

- أعد صياغة دور الرئاسة في لبنان انطلاقاً من التجارب الباهظة الكلفة التي مرّت خلال السنوات الماضية على البلاد، الشرق الأوسط والعالم.

- أعد الحياة إلى هيبة وصورة المنصب الرئاسي وسمعته التي تضررت كثيراً منذ الطائف. ومهما كان التواضع فضيلة شخصية، فإنّ الاستقرار يقتضي أن يشعر المجتمع بأنّه وُلد له، من جديد، "قصر رئاسي" حقيقي يمثّل العزّة والجلال والوقار ويكون موضع الافتخار. كلما زادت هيبة السلطة كبرت قوتها وقلّت الحاجة الى استخدامهاً.

- إحم نفسك من الأخطار النفسية التي قد تُصيبك وأنت رمز السلطة. التاريخ حافل بنماذج من الصالحين الذين وقعوا في فخ السلطة فأفسدت حكمهم الصائب وإحساسهم بالواقع. كن جدياً في مهمّتك، لا في اعتبارك للأنا التي فيك. سيكون لك، من الآن، عدد هائل من "الأصدقاء" وستتلقى كماً كبيراً من "المجاملات" التي لا يحتملها التواضع. تذكر أنّ معظم المجاملات هي وسيلة كغيرها من تأشيرات النفوذ إلى مصادر القوة التي تتحكم فيها وظيفتك الجديدة. إن ما يراه الناس هو دورك لا أنت. والأمر نفسه ينطبق على الأعداء والانتقادات. صُن نفسك بأن تتذكّر أنّ كل هذه الدينميات الإيجابية والسلبية التي ستتعرّض لها ذات صلة مباشرة بدورك ووظيفتك الجديدة كرئيس للجمهورية لا بشخص ميشال سليمان. لا تاخذ المدح والذم على محمل شخصي.

- أحط نفسك بأناس ذوي مستوى رفيع جدا من التفكير والإدراك والقيم الجيدة والمبادئ الأخلاقية والمهنية الحميدة والبعيدين عن المطامع والطموحات السياسية والمالية. اعمل ما يلهمك إياه عقلك، ويملي عليك قلبك وضميرك أنّه الصواب. لا تقم بأي عمل لا يمكنك ان تخبره لأولادك بإعتزاز على مائدة العشاء.

- اعتن بنفسك جيداً.

تفضل بقبول بالغ الأحترام،

مايكل كولي

Michael Kouly

No comments: