Friday, January 30, 2009

رسالة الى الرئيس اوباما

السيد الرئيس باراك حسين اوباما المحترم،

عزيزي السيد الرئيس،

هنيئا لك توليك الرئاسة. أتمنى لك عهداً رئاسياً حافلاً بالعمل الملهم لما فيه خير بلادك والعالم.

أكتب إليك، وأنت الآن رئيس الولايات المتحدة الأميركية، لأنّ قراراتك ستؤثر، بشكل مباشِر أو غير مباشر، في مستقبل ابنتي ماريا-هيلينا البالغة من العمر أربع سنوات، كما أنها ستؤثر في كل شكل من أشكال الحياة على هذه الأرض.

حملك ثقيل، سيدي الرئيس. معظم الناس لم يتخيلوا بعد عِظَم المسؤولية الملقاة على عاتقك. إنها لمهمّة صعبة غاية الصعوبة إدارة أضخم مؤسسة اقتصادية وعسكرية ونووية في العالم، وقيادة القوة العظمى التي تستقطب باستمرار أنظار العالم واهتمامه. ليس هناك أدنى شك في أن رئاسة الولايات المتحدة الأميركية هي واحدة من المهامّ الأصعب على الإطلاق.

إنّ آلاف الملايين من شعوب العالم، فضلاّ عن شعبك الأميركي، يتطلعون إليك وهم يتوقعون أنك ستجعل حياتهم أفضل، وأنك ستجد الحلول للمشاكل والأزمات التي أوجدوها هم وأجدادهم، فكانت إرثاً ثقيلاً ينتقل من جيل إلى جيل.

على مدار الوقت، سيكون الإعلام مصدر تنبيه لك، يذكرك بهذه التطلعات والتوقعات. كما سيكون بقربك جهازك الإداري الذي يضم جيشًا من المستشارين، بعضهم يصنّف الأفضل عالميًّا في مجال اختصاصه، لإسدائك النصائح في كيفية إدارة التحديات والفرص على المسار العالمي. ورغم ذلك، بل لذلك، أجد نفسي، وبكل تواضع، راغبًا في أن أشاركك بعض رؤى الناتجة عن التأمل في هدوء البعد، دونما غرق في الضوضاء والتعقيدات اليومية التي تحيط بك.

- حافظ على وجودك. لقد مثّل انتخابك خطوة كبيرة في نضج شعب الولايات المتحدة الأميركية، وبالرغم من أن مسار البشرية يظهر تقهقرًا، فإن هذه الخطوة الكبيرة ألهمت الأمل بأننا ما زلنا قادرين على التقدّم في مواجهة تحدياتنا والتغلب عليها. وكما أثبت الشعب الأميركي أنه ما زال يكافح في نضاله الأخلاقي والمبدئي، مع بعض النجاحات المشهودة، تستطيع شعوب أخرى أن تواجه بشجاعة قضاياها. لقد عانى العالم بداية قاسية للقرن الواحد والعشرين حيث تفاقمت موجة العنف والانكماش الاقتصادي الخانق. ان العالم لا يحتاج صدمة أخرى. لذا اهتم بنفسك جيدا.

- إنّ أميركا إذ اختارت شخصاً ذا جذور إفريقية، واسم والده حسين، ليتولى أعلى مناصبها، فهذا لا يعني أن الحياة أصبحت وردية وأن قوى الماضي الظلامية قد ولّت. في الواقع أنّ انتخابك ربما أثارها لتكون أشدّ فعالية. إن الثقة المفرطة والتفاؤل الساذج، وافتراض حاكمية منطق واحد قد يؤدي إلى مفاجآت ضارة ومؤذية. فلا تطمئن لهذا العالم المجنون.

- لا تسرف في الضغط على المنظومة الأميركية، فهي ما زالت تحت وطأة انتخابك رئيسا، وسوف تحتاج إلى وقت كي تستوعب ما حصل. أمهل شعبك قليلاً حتى يتكيف قبل أن تدفعه نحو مزيد من القفزات النوعية المطلوبة. لكن لا تخسر توثُّبك.

- الآن وقد انتهت الحملة الانتخابية، يبدو الوقت، ملائما للتأمل في مبدأ التغيير الذي روّجت له ودافعت عنه. التغيير إلى ماذا؟ هل نتوقف بعد التغيير؟ أو نتوجه إلى تغيير آخر؟ هل البقاء والتطور والازدهار يحتاج إلى تغيير دائم؟ سيدي الرئيس، التغيير هو نهج، وليس هدفا بحد ذاته. إن مهمتنا الشخصية والاجتماعية والوطنية ليست في التغيير، إنما هي في اكتشاف حقيقة أنفسنا وجوهرنا، وفي عيش هذه الحقيقة، وفي وضعها لخدمة الناس والمجتمعات والأمم. إن الهدف الأسمى للعمل القيادي في أي منصب رئاسي، هو المساهمة في مساعدة الناس على اكتشاف تميّزهم كأمة، وتوظيف هذا التميّز في خدمة البشرية جمعاء.

- لا أقصد أن أكون فظًّا سيدي، ولكن حاول أن تحافظ على واقعيتك وأبق قدميك على الأرض. لك كل الحق في أن تزهو فأنت أصبحت تمثّل فصلا مشهودا من التاريخ. لكنّ الغرور يستطيع بأكثر من طريقة أن يقتل صاحبه، فكن امتدادا لعمل المحبة والتسامح والتواضع الذي تجلّى في انتخابك.

- عندما تطغى عليك تعقيدات الأوضاع المطروحة أمامك، ذكر نفسك أن العقل ينتعش عندما يعقِّد الأمور. وأن القوانين الأساسية للحياة هي في جوهرها بسيطة. أضِف قدرا من صفاء البساطة على دفق النصائح التي ستتلقاها كلما خطوت خطوة في رحلتك الرئاسية. فالحياة أبسط مما يتراءى للعقل البشري.

- ثق بحدسك وحكمتك. فأنت، كمعظم الناس، تملك في أعماقك ما يكفي من النور لتميز الصواب من الخطأ. ولا تسمح للمعلومات المفرطة الناتجة عن الإسراف في التحليل أن تُغرق تفكيرك وتُربكه.

- تأكد أن تكون قراراتك إيجابية (Responsive) يحركها وضوح القصد والحكمة والرحمة والهدوء. ولا تكن قراراتك انفعالية(Reactive) مدفوعة بالكبرياء والعنف والتسرّع. فالبيت الأبيض ليس مدرسة أو حُجرة تُعدّ فيها الأبحاث والدراسات القيادية(Leadership Simulations) ؛ القرارات الخاطئة على المستوى الرئاسي غالباً ما تكون فادحة.

- لا تتخذ القرارات معتمداً على قلبك وحده. فللحكمة دور كبير، وكيفما دار الأمر، لا تُسلّم عقلك الزمام دون أن تشاركه الرحمة.

- عندما تواجهك معضلة إسأل نفسك كيف كنت سأقارب هذا الموضوع لو لم تكن أميركا الأغنى والأقوى في العالم. هذا سيغني خياراتك وسيجعلك تقدر اكثر حال معظم شعوب العالم وبخاصة الضعفاء والفقراء.

- أنشئ "مجلسًا استشاريًّا خياليًّا" من حكماء التاريخ، واسأل نفسك دائما قبل اتخاذ القرارات الكبيرة: ما هو القرار الجماعي الذي كانت لتتخذه لجنة استشارية تضم أمثال لنكولن، وروزفلت، وودرو ولسون، وتشرشل، ومانديلا، ومارتن لوثر كينغ، وغاندي؟ إنّ جميع رؤساء الدول يمكن أن يستفيدوا من الاستنارة بأمثال هذه المنارات من الحكمة والقيم العظيمة.

- قريبا جدا، سيبدأ العالم أجمع بتحميلك المسؤولية في استمرار الفوضى التي ما زالت تتوالد منذ دهور وعصور. وعلى الرغم من أن القيادة تقتضي الإصغاء إلى آلام الناس والتعاطف معهم بعمق، فإنها تتطلّب أيضاً تذكير الناس دائماً بأنّ الارتقاء إنما يكون عندما يملك كل إنسان زمام حياته، وعندها يؤدي دوره في إيجاد الحلول المناسبة لمشكلاته.

- إنه لمن حقّ الشعب الأميركي أن يتوقع جهودك لتحسين حياتهم. ولكني أرجو أن تتذكّر التزاماتك الأخلاقية والعملية تجاه سائر العالم. فأن كونك الأغنى والأقوى والأعلم يرتب عليك واجبات، لا سيما في عالم متداخل ومتكافل كعالمنا. إن صممت آذانك عن آلام العالم فإن هذا سيطارد رئاستك وأمتك. وكما أن العالم سيكون بخير إذا كانت الولايات المتحدة هنيئة، فإن أميركا أيضا ستعاني إذا كان العالم يبكي. كم أتمنى أن يقلَّ عدد الأعلام الأميركية التي تُحرَق على شاشات التلفزة خلال مدة رئاستك.

- أصغ إلى أعدائك وحاورهم تماماً كما تفعل مع أصدقائك وحلفائك، فأنت تحتاج إلى التواصل مع خصومك لتصنع السلام، وفي كلامهم تكمن حِكَم ثمينة.

- مهما كنت حسن النية ومتحمساً وبارعاً، فتقبّل أنك لن تستطيع حلّ معظم مشاكل وطنك، فكيف العالم. وما من رئيس يستطيع أن يفعل شيئًا من ذلك دون مشاركة الشعب مشاركة فعلية. الناس كثيرا ما يحتاجون إلى تذكيرهم بأن حلّ مشاكلهم في أيديهم هم. "نحن معاً نستطيع" أن نحل مشاكلنا (Yes WE can).

- سيدي الرئيس، قرّر منذ الآن كيف ترغب أن تُذكر واستفد من كل يوم لتشييد بناء تراثك.

- وما دام يُتوقّع منك أن تبذل كثيرا من وقتك في إدارة النزاعات وإخماد النيران، حاول أن تعالج مشكلة أو مشكلتين من المشاكل العالمية المزمنة التي تعصف بحاضر الإنسانية وتهدد مستقبلها. أما باقي التحديات، فإن مساهمتك الكبرى هي في استعمال سلطة منصبك لخلق الوعي العالمي (Global awareness) وتوجيه الإنسانية وحضها لكي تُعالج مسائلها المضطربة.

- لا ريب في أنّ التحدي الأعظم الذي يواجهك سيكون في تغيير الذهنية محليا وعالميا. فالعواصف المالية والبيئية والأخلاقية والارتجاجات العنيفة التي تجتاح العالم إنما هي انعكاس محض للمبادئ العليلة التي توجه السلوك البشري. ورغم أنّ صالح الانسانية هو مسؤولية كل إنسان، لكنك أنت في الموقع الذي يخولك أن تجعل العالم كله، وليس حكامه فحسب، يتبصّر في مسار حياته والمصير الذي ينتظره.

سيدي الرئيس، إن هذه الرسالة المتواضعة قد لا تضيف شيئا من التبصّر إلى حكمتك ورؤيتك. ومع ذلك، فإنني آمل أن تكون قد دعمتها. وأتمنى أن يكون عهدك بركة على الإنسانية جمعاء. أعرف أنك لا تستطيع أن تداوي العالم، فجهود الأنبياء والقديسين لم تحقق ذلك. لكن حاول أن تكون صوتا صارخا للضمير والأمل، واسع كي تخفف بعضا من الآلام الكثيرة غير المبررة التي تكابدها أشكال الحياة كلها، لا الانسانية وحدها.

إنّه لعالم رائع الجمال هذا الذي يمكنك أن تراه ملخّصا في زهور حديقة بيتك الأبيض وعلى وجوه أطفالك كلما تبسموا. إنه عالم لجدير بالتضحيات: أجل، إنك تستطيع (Yes YOU can) .

تحياتي الطيبة،

مايكل كولي

Michael Kouly

January 20, 2009

(michael.kouly@post.harvard.edu)

No comments: