Tuesday, July 28, 2009

عهد سليمان والفرصة الضائعة


عهد سليمان والفرصة الضائعة


By Michael Kouly

بقلم: مايكل كولي
(الكاتب رئيس سابق لرويترز الشرق الأوسط ومتخصص في القيادة الأستراتيجية من جامعتي هارفرد وبرنستون الأمريكيتين. للتعليق:
Michael.kouly@post.harvard.edu

بدأ الوقت ينفذ. على فخامة الرئيس ميشال سليمان أن يقرر سريعًا, هل يريد أن يذكره التاريخ كأي سياسي لبناني عابر آخر, أم كأحد صانعي لبنان الحديث ؟
آراء الباحثين في علم القيادة منقسمة بين من يبدي إعجابًا بأداء سليمان في السنة المنصرمة من حكمه وبين آخرين يرون أنه كان بإمكانه أن يؤدي بشكل أفضل. ويعدد المعجبون إنجازات الرئيس كالآتي:
استطاع ان يحظى باحترام محلي ودولي لقيَّمه وشخصه.
أعاد الاعتبار لمنصب رئاسة الجمهورية كرمز لهيكلية السلطة الرسمية.
استثمر الدعم الدولي للبنان من خلال زيارته عدة بلدان ليقدم بلده كوطن معافىً بعد أن كاد يعتبر بلدًا فاشلا.
فهم توازن القوى الداخلية والخارجية، وحافظ على علاقات جيدة مع سائر الأطراف.
حرص على أن يكون ممثلاً لجميع اللينانيين على اختلاف شرائحهم.
جهد لجمع سائر الأفرقاء اللبنانيين على طاولة الحوار ليتفقوا على المبادئ الأساسية التي تحكم عيشهم سويًّا.
استحق الاحترام كصوت للحكمة والاعتدال في بلد عرف بالتهور السياسيّ.
أسهم في استقرار البلد سياسيًّا واجتماعيًّا وأمنيًّا بالرغم من التأجج السياسي المستمرّ.
الرئيس سليمان نجح في إنجاز الآنف رغم محدودية صلاحياته، وينقل القريبون منه غصته لعجزه عن تقديم المزيد لبلده بسبب ضيق سلطته الرسمية.
أما النقاد فيرون أن ما أنجز خلال هذه السنة كان بالإمكان أن يكون أكثر بكثير لو أن الرئيس استخدم مصادر تأثير خارج إطار الصلاحيات الدستورية، من خلال قدرته على التواصل مع الشعب مباشرة لبناء رأسمال سياسي عند الناس الذين هم مصدر السلطة الحقيقي، مستغلاًّ لهذا قدرة منصب الرئاسة على جذب انتباه الناس والإعلام. وهم يرون أن الظرف الحالي استثنائيٌّ يتطلب مقاربة جديدة لحل المشاكل وإبداعًا وأفكارًا خلاّقة، وأن سليمان يتعاطى مع هذا الظرف بأساليب عادية، جرِّبت لعقود وفشلت في كل مرة.
وهم يخشون أن تتحوَّل سنوات عهده الستة إلى مزيد من الفرص الضائعة لممارسة العمل القيادي الحقيقي.
مشكلة لبنان أنه مكوّن من مجموعات متنافرة ومتخاصمة لا تثق ببعضها بسبب عمق تاريخها الدموي المشترك وبسبب التناقض في نظرتها إلى هوية الوطن ومستقبله وقيَّمه وأولوياته. هذه المشكلة البنيوية الحادة والمزمنة لا يمكن أن تُحَلَّ فقط بتغيير آلية الحكم كالنظام الانتخابي أو التركيبة الحكومية أو إعادة توزيع السلطة بين الأفرقاء أو حتى بدستور جديد.
وهذه السنوات العشرون التي مرت على دستور الطائف دون أن تُزيل علل لبنان، شاهد على ذلك. إن كل هذه الآليات هي ضرورية جدًّا لتأمين البيئة الحافظة للجتمع، ويجب أن تعطى اهتمامًا بالغًا. ولكنها مؤقتة وقصيرة المدى، وتبقى حلولاً تقنية تنتج المزيد من المشاكل المستحدثة وتراكمها إلى القديمة، إذا لم تتطوّر ذهنية المواطن اللبناني.
إن عطب آلية ومحاصصة الحكم والتأثير المسيطر للتدخل الخارجي معضلتان كبيرتان ولكنهما تبقيان عوارض المرض الحقيقي وليستا حقيقة المرض.
إن معظم المعالجات التي بذلت، ومن ضمنها جهود الرئيس، كانت ولا تزال، منصبة على العوارض ومهملة لحقيقة المرض، إلا إذا اعتبرنا أن الأمل بتغيير ذهنية اللبنانيين مفقود، وأن الذي نشهده هو أفضل الممكن.
وإنه لمن المحزن أن سنين وعقودًا قد هدرت دون تقدم كاف في الإجابة عن أسئلة أساسية مثل:
ماذا يعني أن تكون لبنانيًّا؟
هل اللبنانيون يريدون فعلاً أن يعيشوا سويًا؟
هل اللبنانيون قادرون ومستعدون على القيام بالتضحيات اللازمة ليعيشوا معًا بسلام؟
الواقع أنه بالإضافة إلى إهمال المواضيع الجوهرية لأجيال وتجنب الخوض فيها فإن الأمور قد ازدادت سوءًا. فالبلد الذي كان يعاني من انقسام طائفي أضحى منقسمًا طائفيًّا ومذهبيًّا، والإدارات باتت شبه مشلولة، والدين العام تفاقم، والقوى المسلحة الرسمية لم تعد الوحيدة ولا حتى الأقدر على أرض الواقع، بل إنها أمست أقل عسكرة من بعض القوى غير الرسمية, في وقت تعزز الارتباط بالخارج والولاء له.
وحتى الانتخابات النيابية الأخيرة التي هُلِّل لنجاحها كثيرًا، لم تحصل إلا بتراضي الأفرقاء المحليين والخارجيين على ذلك, ولم تُسفر نتائجها عن أي تطور في البلاد.
وإنه لمن المؤسف أن تكون هذه الانتخابات زادت كثيرًا في تراكم الآلام في الذاكرة الحية للبنانيين، فالحملات الانتخابية كلها استعملت ثقافة التخويف والتخوين والتشكيك والغضب والحقد والانتقام، الأمر الذي عمّق الصدع الوطني.
إن رؤية الشبان وهم يحملون أقرباءهم العجزة والعجائز إلى صناديق الاقتراع ليضعوا أوراقًا لا يدرون فحواها كان مشهدًا مخيفًا لتنامي مستوى الحقد المتبادل بين اللبنانيين والذي لا يتردّد في أن يُطِلَّ بعنف من وقت لآخر. بدل أن تكون منافسة لإيصال الأقدر على خدمة المجتمع بأكمله, لقد كانت هذه الانتخابات بحق حربًا أهلية خيضت بالأوراق.
من السذاجة والظلم في آن، القول إن عبء إصلاح كل هذا الخلل المتفاقم يقع على عاتق الرئيس أو أي شخص آخر, فالمسؤولية تقع على عاتق كل اللبنانيين بلا استثناء, مواطنين وسياسين ورسميين. كما انه لمن المستحيل على أي كان, لا سيما على رئيس مهمش دستوريًا, ان يواجه لوحده عفن السلطة السياسية والمذهبية التي تتغذى على جروح الوطن النازفة.
السؤال اذن هو: ماذا يمكن للرئيس سليمان أن يصنع مع إرث كهذا؟
الجواب : هو في تغيير "اللعبة", والتركيز المباشر على الشعب حيث تكمن المشكلة والحل. إن هذا هو ما فعله غاندي ومنديلا ومارتين لوثر كينغ. لقد قام هؤلاء وأمثالهم بحض شعوبهم على مواجهة الحقائق المرّة وساعدوهم على تغيير العقلية التي أدّت اليها. وبدون أي سلطة رسمية او دستورية تحوّلوا إلى الصوت الذي يرفع مستوى الوعي والإدراك في المجتمع.
حتمًا ليست هذه دعوة لاستنساخ نابليون العسكري أو شافيز الشعبوي أو ماو تسي تونغ العقائدي أو أي من التجارب اللبنانية التي أدت إلى تمحور مجموعة حول الولاء للشخص، بل هي دعوة لسليمان ليُمضي سنين عهده الخمس الباقية مسخرًا قوى الرئاسة المعنوية ليؤسس في الإنسان اللبناني قيمًا يجمع عليها الشعب لتكون مساحة مشتركة تجمع الوطن وجسورًا بين أطرافه المتباعدة.
قد يقول البعض إن هذا الطرح حالم وغير عملي، وإن أمراء الحرب سيفشّلون أي محاولة لتقليص قدرتهم على تجييش الجموع أو إن الرئيس لا يملك الوسائل لخلق هذه "الحالة" من الوعي المدني والوطني!
إذن ما البدائل؟!!.
في ظل الظروف الراهنة فإن الطرق المعتادة للعمل السياسي قد لا توصل إلى حلول، وهذا مقروء في كلام السياسيين أنفسهم الذين لا يفتؤون يُقِرُّون أن أقصى ماقد تبلغه حركتهم الآن هو "انفراج" مؤقت مبني على انفراج خارجي، وليس هذا بالمستغرب فهم مستمرون على استخدام الأنماط والمقاربات ذاتها التي مازالوا يمارسونها وأسلافهم منذ تأسيس الوطن، من إدارة للأزمات المتتابعة، واستنباط الحلول السطحية والتقنية، والاتكال المفرط على التدخلات الخارجية، تمامًا كما يفعلون الآن في موضوع تأليف الحكومة الجديدة.
وهذا ما ينطبق عليه تمامًا تعريف آينشتاين للجنون الذي هو عنده؛ أن تُكَرِّرَ الفعلَ عينَه، وتنتظر نتائج مختلفة. إن الطرق القديمة لن توصل إلى اماكن جديدة.
إن لدى الرئيس خيارين: الأول أن يكون مجرد رئيس للآليات والبروتوكولات والحياد ومنطقة هدنة سياسية وامنية .(BUFFER ZONE)
والثاني: أن يضيف إلى هذا كونه رئيسًا للوعي المدني ومرسيًا للقيم الوطنية.
وثمة إشارة واضحة إلى أن اللبنانيين متعطشون لأن يلعب الرئيس الدور الثاني، فهم ملوا من ثقافة السياسة وممارسة السياسيين التي ما برحت تُسمّم حياتهم منذ سنوات، وهم ينتظرون من الرئيس أن يقدم تعريفًا مختلفًا للقيادة يكون متقدّمًا على المستويين العالمي والتاريخي، وذلك بتقديم الرئيس النموذج الذي يختلف تمامًا عن الطبقة المهترئة من الزعامات التي اعتادوا عليها إلى حدّ السآمة، رئيس صادق أصيل غير أناني يتوجه إلى الشعب بقلبه قبل أن يُخاطبهم بلسانه ليدفع اللبنانيين لإبراز أفضل ما عندهم. اللبنانيون يتوقون إلى رسالة أمل تقنعهم أنهم قادرون على حلّ مشاكلهم بأنفسهم، وأن بإمكانهم بالرغم من اختلاف إرثهم التاريخي أن يبحثوا معًا عن مستقبل واحدٍ في وطن يُبنى على التعاون وليس على التناحر وعلى الوفاق وليس على النفاق والزعاق. وهذا الدور لا يحتاج إلى سلطة دستورية، فرئيس الجمهورية يملك أثمن أدوات القيادة ألا وهي قدرته على استرعاء انتباه الناس وبالتالي التأثير عليهم، كما أن أمامه فريقًا ضخمًا من المساعدين الممتازين غير المُسْتَغَلِّين حاليًّا، وهم النخبة اللبنانية الغير مُسيَّسة والمجموعات الموهوبة والمنفتحة والمتحمسة والملتزمة في المجتمع المدني الغني في لبنان، والذين يمكنه بسهولة تجييشهم لخدمة قضايا وطنية نبيلة بدل أن يبقوا مهملين كما هو الوضع الآن.
على الصعيد العملي، فإن الباحثين يقترحون أن يقوم الرئيس، وبدون أي إهمال اطلاقا لمسؤولياته السياسية والدستورية، بالعمل الجادّ والمكثّف مع النخب وجمعيات المجتمع المدني والتواصل المباشر مع الجماهير في المهرجانات والمؤتمرات والكنائس والمساجد وكافّة النشاطات الثقافية والرياضية والكشفية والشبابية حيث يستطيع أن ينشر رسالته بالأمل والتغيير.
إن هذا هو أسلوب مختلف كليًّا عن الأسلوب المعتمد حاليًّا للرئيس وهو يتطلب أن يقضي سليمان وقتًا أكثر مع الناس على الأرض، ووقتًا أقل مع الساسة في قصره.
ولعلّ هذه هي الطريقة الوحيدة، إذا أراد الرئيس أن يُحْدِثَ تأثيرًا ويبني رأسمالا سياسياّ، كما يستطيع أن يشكل فريق عمل خاص ليعينه في هذا كله، و ان يضع خطابًا جامعًا يُضمِّنُه الجوهر الوطني الموجود في خطاب كل الأفرقاء، ويُكرّر هذا الخطاب بلا كلل ولا ملل ليل نهار، وفي كل مناسبة في السنوات الخمسة القادمة حتى يصير هذا الخطاب جزءًا راسخا من وعي المواطن اللبناني والنمط الأساس في تفكيره وأدائه.
ولعل مما يصلح أن يكون من عناصر هذا الخطاب النص الآتي: "لبنان بلد الأخلاق والقيم الفضيلة بعيدًا عن الفساد. وهو سيد حرّ مستقلّ، يستبسل كل أبنائه في مقاومة أي اعتداء عليه. الحريات والتنوع الديني والثقافي هما رأسمال هذا الوطن ومصدر غناه. إن ما يجمع اللبنانيين أكثر بكثير مما يظنون أنه يُفرِّقهم".
لقد حظي الرئيس بأكثر من سنة ليتأمل في الدور الذي مارسه حتى الآن، وفي مدى إسهامه بحل المعضلات الجوهرية للبنان، وليفكر أين ستصير رئاسته إذا أكمل بهذه الطريقة. إن تعزيز سلطة الرئيس في الدولة والحكومة لا بد أن تساعدَه لأداء مهماته بشكل أفضل ولكن المنفعة ستكون تكتيكية، بيد أن ساحة العمل الحقيقي هي الناس حيث يكمن الداء والدواء، فهل سيستطيع الرئيس أن يتواصل مباشرة مع الناس؟
وهل سيستطيع أن يُمرَّر لهم قيمه ونظرته وحكمته المشهودة؟
وهل سيكون بمقدوره وهو يمارس حكمه أن يُحَوِّل المجتمع المدني والنخب المثقفة إلى جيش من الناشطين في خدمة رسالته الوطنية الجامعة؟
وهل سيُعرَفُ سليمان في التاريخ بأنه الرئيس الذي ساعد اللبنانيين على أن يغيِّروا نظرتهم لأنفسهم ولبعضهم البعض ولبلدهم؟.
وهل سيكون رئيس المؤسسات والآليات فقط، أم سيُفضِّل أن يكون أبًا لحالة مدنية وطنية واعية؟
إن الفرصة سانحة ليقول الزمان "نعم يستطيع" ولتقول الأجيال القادمة "لقد استطاع".

July 2009-07-17

2 comments:

Anonymous said...

gsvjpwhowdszhoydowaqz. http://www.acnetreatment2k.com/ - acne treatment
buxepz

Anonymous said...

I аm not sure where yοu are getting your infогmаtіon, but great topic.
I needs tо spenԁ ѕomе time leаrning moгe oг unԁerstandіng more.
Τhankѕ for eхcellent informatiоn ӏ was lоoking for thіs infοгmation
for my miѕsion.

Look into my ρаge; online casino
My web page ; online casino